الصّيد البحري العشوائي خطر على مستقبل القطاع
بقلم:محمد رضا سويسي
يتعرّض البحر على امتداد الشّريط الساحلي لجهة صفاقس و جزر قرقنة إلى عمليّة استنزاف أشبه ما تكون بعمليّة غربلة للبحر و ذلك من خلال تفشّي نمط من الصّيد أصبح يهدّد بدرجة عالية من الجدّية الثّروة السّمكيّة في واحد ممّا كان يعتبر كأحد أغنى السّواحل في تونس.. هذه الطّريقة في الصّيد هي ما يعرف “بالكيس” وهو صيد بكركارة ساحلية تتكوّن من شباك ضيّقة “العيون” و من حبل سفليّ مثقل بكمّيات كبيرة من الرّصاص بحيث يصبح له ،عند جرّه على الأرض، دور الجرّافة الّتي تحصد كلّ ما يعترضها فلا تبقي ولا تذر.
…هذا النّوع من الصّيد يصنّف قانونيّا من الممنوعات الّتي تعرّض صاحبها إلى العقاب، لكن عمليّا أصبح الأكثر انتشارا و تفشّيا بين البحّارة من أصحاب القوارب الصّغيرة و المتوسّطة الّذين يبرّرون لجوءهم إلى هذا النمط من الصيد بالتّراجع الكبير في مردوديّة القطاع وهو تراجع يفسّرونه بالتّدميرالّذي أحدثته قوارب الصّيد بالكركارة في الأعماق (البلانصي) من خلال جرفها لأماكن بيض و تفريخ الأسماك في خليج قابس، ليجد البحر نفسه محاصرا بين الكيس ساحليّا و الكركارة في الأعماق.
إلاّ أنّ الخطير في الأمر هو أنّ هذا النّمط من الصّيد، أي الكيس، أصبح اليوم يمارس بدرجة عالية من الحرّية وهذا ما يظهر للعيان من خلال المشاهدة اليوميّة للقوارب المزاولة لهذا النّشاط سواء على طول الشريط الساحلي لمنطقة سيدي منصور أو في عرض جزر قرقنة و غيرها وذلك رغم وعي الجميع الظّاهر و المعلن بهذه اللآفة.
كما أنّ بيع البحّارة لمحصولهم يتمّ على مرآى الجميع إمّا في الأسواق المعتادة أو حتّى على قارعة الطّريق دون ردع أو محاسبة.
لقد تحوّلت هذه الظّاهرة إلى هاجس حقيقيّ لدى الكثير من البحّارة النّزهاء و الواعين بمخاطرها على مستقبل نشاط الصيد البحري ككلّ و الّذين تتكرّر دعواتهم باستمرار للتّحرك بحزم و نجاعة في إطار خطّة متكاملة تشمل الصّيد العشوائيّ في الأعماق و على السواحل على حدّ سواء فكركارة الأعماق تقتل بيض الأسماك بينما تجهز كركارة السّواحل(الكيس) على ما نجا منها و تحوّل الى أسماك صغيرة… خطّة يجب أن تنطلق بالحزم في تطبيق القوانين المانعة لهذه الأنماط المضرّة من الصّيد و بالمنع الكلّي لبيع المنتوج الصّادر عنها في الأسواق فضلا عن القيام بحملات توعية في صفوف البحّارة مصحوبة بحوافز و تشجيعات تعوّض عنهم خسائرهم الناتجة عن تراجع مداخيلهم، أحيانا، إلى ما دون الإستجابة حتّ للحاجات الضّروريّة لهم و لأسرهم .
إنّ قطاع الصيد البحري يعتبر من القطاعات الحيويّة الّتي تساهم في تأمين أحد المكوّنات الرّئيسيّة للنّظام الغذائي كما أنّ منتوجه يمثّل منشّطا هامّا من منشّطات الدّورة التّجاريّة الدّاخلية ومادّة تصديريّة معتبرة، وهو ما يتطلّب من المجموعة الوطنية سلطة و منظّمات وطنية و مهنيّين الوقوف بحزم و جدّية لإنقاذ هذا القطاع والنهوض به..أمّا الخطوة الأولى فهي اتخاذ التّدابير اللاّزمة لحماية الثروة السّمكية من التّلف.
الأربعاء 2 ديسمبر - 18:13