أقصوصة للأطفال : كبش العيد
عرفته حمََلا صغيرا يوم شراه لي أبي وأمّه النعجة من بائع أغنام مرّ بحيّنا منذ أشهر ..
كانت سعادتي به لا توصف ..أعظمْ بلونه الأبيض الصافي! وسواد يكسو أذنيه ويحيط بعينيه وخطْمه ! (مقدم الأنف والفم)..يومها قلت: " هذا لي، لا يشاركني فيه أحد ..هذا صغير وأنا صغير ..يناسب أحدنا الآخر " لم ينازعني عليه أحد ولم يرفض أحد طلبي ..وأصبحنا منذ ذلك اليوم صديقين لا نكاد نفترق إلا عند النوم ..
لازمته في أغلب أوقات فراغي ..أقدم له الكلأ بيدي فيتشمّمه ثم يلتهمه ..كنت أحسّ بأنفاسه الحارة على كفي ..وأحيانا أشعر برطوبة لسانه بعد التهام ما أقدمه له من طعام جادّا ..وكنت أعابثه أحيانا فأقدم له العشب ثم أمنعه عنه لاهيا ..فيتقدم نحوي مصرا على الأكل ، وإذا بالغت في معابثته ، يحرك رأسه ويتركني ، ولسان حاله يقول: " عيب عليك ..ما هكذا يفعل الصديق بصديقه .."ماذا عساي أفعل حينئذ ؟ أنا لا أقدر على غضبه مني ..أهرع إليه معتذرا ، وأطعمه بيدي فيصفو لي ويصفح عني ، ويعود إليّ كصفحة ماء لم تتأسّن ، وبنفس لم تتكدّر..
مرّت شهور وحملي يكبر تحت نظري ..تضاعف حجمه ، وعظمت أليته ، واخشوشن صوته ، ونبت له قرنان ما فتئا يكبران وينعقفان بشكل مخيف ومثير للدهشة والخوف ..و ما فتئ اهتمام الجميع به يزداد ويكاد يعادل اهتمامي به .. أسمعهم يرددون الحديث عن أليته ويمتدحونها ..وكان أبي يسمح لمن يزورنا برفعه عن الأرض وتقدير كتلته مباهيا به أمام الزائرين ..ولكنه كان يخشى عليه من أي إصابة ويقول إذا سألناه عن السبب:" الأضحية يجب أن تكون سليمة من كل سوء ، حتى تكون مقبولة عند الله إن شاء تعالى .."ازداد اعتنائي بسلامة كبشي ، لا من اجل اليد ولكن بحق الصداقة التي بيننا ..
انقضت التسع الأوائل من ذي الحجة سريعا و حل اليوم العاشر .. عدنا من المسجد بعد أداء صلاة العيد وتبادل التهاني مع المصلين .. ناداني أبي و طلب مني جلب الكبش .. أتيت به طائعا لوالدي مكرها ..وبخفة الجزار الماهر ، تلّه أبي وبسمل وكبّر وهمّ بذبحه ..وما كاد يفعل ، وإذا بي أهرب باكيا .. أجّل أبي الذبح وناداني ، وسرد عليّ قصة سيدنا إبراهيم الخليل وابنه الذبيح سيدنا إسماعيل وعقّب :" نحن نحيي في هذه المناسبة الدينية الرائعة هذه القصة البليغة في الطاعة والامتثال لأمر الله .. و لاننسى أن لنا جميعا أجرا ثابتا إن شاء الله .."
شفيق بن البشير غربال
صفاقس –تونس