محمّد الفاضل سليمان
بسم الله الرحمان الرحيم
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول
سنتشرف بتسجيلك
إدارة المنتدي
شكرا


محمّد الفاضل سليمان
بسم الله الرحمان الرحيم
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول
سنتشرف بتسجيلك
إدارة المنتدي
شكرا


محمّد الفاضل سليمان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محمّد الفاضل سليمان

عالم الطفل ، شعر، قصّة ، مسرح ، أناشيد ، علوم للأطفال ، معارف ، سيرة ذاتية للأديب محمد الفاضل سليمان
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الطيور المهاجرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جواد الشوفي




عدد المساهمات : 1
تاريخ التسجيل : 25/03/2010

الطيور المهاجرة Empty
مُساهمةموضوع: الطيور المهاجرة   الطيور المهاجرة Icon_minitimeالخميس 25 مارس - 10:23

الــطـُّـــيـــور المـهـــــاجـــــــرة




جـــواد الـشّـــوفي







( ستارة المسرح مغلقة . . . ثلاث نقرات على خشبة المسرح ، ثمَّ يطلُّ شخص برأسه من وراء الستارة ، وينظر يميناً ويساراً ، ويخرج أمام الستارة ، ويقف بمواجهة الجمهور . . . يضع يديه على خصره ، يبتسم . . ثم يخاطب الجمهور )
الرّاوي : في الحقيقة لم أتوقع أنا والمخرج حضوركم الجميل ، هي طقوس بسيطة نريد إعادتها إلى المسرح ، في مسرحنا كما في خارجه ، كل شيء ممنوع ، الكلام ممنوع ، البزر ، البوشار، التدخين ، رنين أجهزة الخليوي ممنوع ، فالرجاء ممن طلب من أحد أن يتصل به خلال العرض إقفال الجهاز ، أنا أعرف هذه الحركات ، يرن جهازالخلوي مع أحدكم ، فينظر صاحبه إلى من حوله ، ويبتسم بفخر ثم يتناول جهازه ويقف خارجاً وهو يتحدث مع من طلبه ( ينظر الرّاوي إلى أحد الحاضرين بين الجمهور ) وأنت يا أسـتاذ ، تستطيع إرسال SMS في وقت آخر . . . . بالطبع هناك هامـش كبير من الحرية . . .
تستطيعون الضحك والبكاء ، السَّماع والنظر والتفكير ، وتستطيعون كما في أي مكان من العالم أن تصفقوا .
ســنحاول من خلال عرض قصير أن نضع إصبعنا على إنسانيتكم .
شخص من بين الجمهور : ما معنى إنسانية ؟
الرّاوي : ( يبتسم ) الإنسانية شيء يـحَـــسُّ ، ولا يوصف .
( يغادر الراوي المسرح من الجهة الجانبية . . . . وتنفتح السّتارة عن مشهد رصيف خشبي بجانب نهر صغير ، وهناك بعض الأشجار . . . يدخل الشخص الذي يمثل الإنسان ، وهو يحمل كرسيّاً وكتاباً . . . يضع الكرسي على الرّصيف الخشبي ، ويجلس عليه ، ثمّ يبدأ بتصفح الكتاب . . . فتدخل الطيور إلى المسرح معلقة بالحبال فتبدو كما لو كانت طائرة في فضاء المسرح
الـجـوقـة : الطيور المهاجرة تسطـِّر في الأفـق
بضعة جُـمَـل . . . .
الوطن . . لا حيثُ وُلِدنا ،
الوطن . . حيث نلقى الدفء .( وتحط في الجهة المقابلة للإنسان )
الإنـسان ( يغلق الكتاب وينظر إلى الطيور ) كيفَ تركتم الوطن ؟
الهدهد : تركنا الرّياح تعبث بأطلال أعشاشنا ،
تركنا لهيب خط ِّ الاسـتواء يمزِّق بمخالبه وهـمَ الوطن .
الإنــسان : كيف تتركون الوطن ؟
اللقلق : وطنـُـنـا حيث نستطيع أن نعيش .
الإنـسان : تتركون وطنكم وتقنعون أنفسكم أن الوطن هناك حيث توجهكم أجنحتكم .
البطـة : نحن نهاجر لا من وطن إلى وطن ،
نحن نهاجر من البرد إلى الدفء ، من الخـطـَر إلى الأمــن ،
من الجـوع إلى الـشّــبع . . . . . . من المـوت إلى الحياة ،
نحن نهاجر من اليوم إلى الغد ، من الواقــع إلى الـحـلم .

الإنـسان : كــيـف ذلــك ؟ !
ألا تـشـعـرون بالغربة ؟ !
طائر البجع : الوطن تعـبير عاطـفي . . . الوطن تعـبير بــشــري ،
الإنسان يخلق عذابه بنفسه لأنه دائماً يربط نفـسـه بقضية ،
ينسى أو يتناسى إنـسـانيته ،
ينسى حـقـه على نفـسـه أن يعيش ويكتسب معارف جديدة ،
تخلقون عذابكم أيها المساكين وتتوهمون أنكم مـنـذورون لشيء عظيم
فـتـشـربون ولا ترتوون ، تأكلون ولا تـشـبعون ، تـسـيرون ولا تصِلون ،
ولا تلبثون أن تـسـتيقظوا ، لكن . . بعد فوات الأوان ،
أسعدكم من يــســـتيقظ من سباته الـبَـشــري مبكّراً .
الإنــســان : وأنـتـم . . ؟
الورور : نـحـنُ ؟
نحن دائماً نبحث عن الأفضل . . . . ونجـد الأفضل ،
أنتم تـَقنـَعون - غالباً - . . لكن دون رضى ،
وإذا لم تـَقـنـَعوا . . تبحثون لكن لا تجدون شيئاً ،
وإن وجدتم . . تغيَّرتم وتحاربتم ،
تمتلكون تركيبة غريبة عجيبة ، ولا يتشابه منكم اثنان في ردة فعـل .
الإنـسان : ونحن أيضاً نهاجر . . . .
ولا علاقة للفصول الأربعة بهجرتنا ،
هجرتنا . . . . هروب من الظلم ، والفقر ،
هجرتنا هروب من الوطن . . . وبحث عن وطن بديل . .
عن الحرّية والكرامة ، عن التجربة والمغامرة واللقمة .
لكن . . . . ومهما ابتعدنا يبقى الوطن معـشّـشـاً في عظامنا ،
ولا يغنينا الغنى عن فقره ، ولا تنسينا الحرّية ســجـونه ،
ولا يمحو الزمن ما انحفر في تلافيف الذاكرة .
الجـوقـة : الإنسان طائر مهاجر ،
والطيور بــشَـــــر .
الإنـســـان طـائـر مـهـاجـر
والـطـّــيور بــشـَـــــر .
الإنــســان : أخبروني . . . . ما رأيتم في الجنوب ؟
الهدهد : بحـرُكم العربيُّ ما عاد عربيّـاً ،
والخليج لم يعُد عربيّـاً ، و لم يعـُد فارسـيّـاً ،
ومئات السُّــفن تمخر عبابه بخطوطها الحمراء ونجومها الزّرقاء ،
وضجيجها يمنـع اللؤلؤ من أن ينعقِد في أرحام المحار ،
الذّهب الأســود أصبح نقمة ً ســـوداء ،
ومـدُن المـلح البيـضاء افترشها الـسّــواد .

واحاتٌ مهجورة إلا من الّـلون ، وأعشاشُ الإسمنت ضاقت بالنـّمل .
أخبرنا أجدادُنا عن صحراء مترامية الأطراف ،
عن بـِحار الرَّمل ، وواحات النخيل النـَّضِـرة ،
عـن خيمةِ ليل ٍ ليلكيَّة ، ونجوم كقناديل الليل ،
عـن نار ٍ تنتظر الضَّـيفَ ، وكلابٍ لا تنبحُـه ،
عـن شـــعراءَ و خلفاء ،
عـن ليالٍ حمراء . . . عن خمر ٍ وأمـر .
عن ســيوف بهنَّ كلومٌ من قِراع الكتائبِ ،
عن عصائب طير تهتدي بعصائبِ
عن تاريخ هو أسوأ قليلاً مما تـصـوِّرون .
اللقلق : لكنهم أيضاً أخبرونا عن سَــــدومَ جديدة ،
اليمن الـــسّعيد لم يعـُد ســعيداً ، وجــرح أبناء العمومةِ ما زال طريّاً .
ولم تعد نـسـائم نَجْـد تحمل رائحة الـشـِّيح والعرعر .
الإنسان : والأردنُّ ، والبادية ؟
البطة : ما سـمعنا صوت ربابةٍ أو مهباج ،
ولا شــممنا رائحة القهوة والهيل ،
لم يعُـد تحتَ خيمة الـشـَّعر إلا عـمودها .
الإنسان : و النهرُ ؟
البطة : مـجـرىً وضِـفـاف .
الإنسان : وأرضُ اللبن والعسل والزّيتون ؟
الورور : طـرقٌ التفافيّة ٌ ، وأســـــلاك شائكة ٌ ومكهرَبة ،
معابر ، وجدران عازلة ،
الفلاح لا يرى زيتونه ، ولا يـشــمُّ نـسـيم جـِـنان بيّـاراته .
الإنسان : والمدينة الأســيرة ؟
الورور : شــاحبة ٌ إلا من بريق قبَّتها ، وبقع الدِّماء التي لم تـجف ،
و مفاتيح البيوت التي طال انتظارها وهي معلّقة على جدران الفقر في المخيَّمات،
الإنـسان : ( بحرقة ) والعراق . . . . من مرَّ منكم على العراق ؟
طـائر اللقلق : أنـــا . . . . أنــا مررتُ . . . . . .
طـوال عـشـرين مــوســماً مـررتُ ،
رصاصٌ ونـارٌ . . .
وطيور فضـّيّة تنشر عناقيد ملوّنة تمحو الإنسان ورســـومه عن الأرض .
طوال عشرين موسماً لم ألتقط ضفدعاً من الأهوار أو شـــطِّ العرب ،
ولم أسـتطع أخذ َ قيلولةٍ فوق نخلة ترضعُ الماء المعكّر بالأحذية العسكريّة ،
وتتنـفـــس النار والبارود .
كنت طوال هذه المواسم أقطع أرض الـسَّـــواد بطيران متواصل
من مصبِّ شط ِّ العرب إلى نينوى . . . . . . .

مرَّة ً واحدة ً نزلت . . . .
وكانت بعـدَ ميلادي بــســبع ِ هـجـرات .
الإنسان : ومتى ولـدتَ ؟
طائر اللقلق : أمّي رحمها ربُّ الطّيور قالت :
ولِدتَ بعد الموسم الذي حطَّت فيه أوّل طائرة لأحد الدّيوك العرب
في قـُدس ِ اللّبن والعسل بسبع هجرات .
الإنسان : وماذا ســمعتَ حين حططتَ في العراق .
طائر اللقلق : كان الوقت ليلاً . . . كانت المدافعُ قد نامت ســاعة ً ،
وأنا في طيران متواصل ، وفوق جناحيَّ ســماء وتحتهما سـماء ،
نجوم تطرِّز عباءة السَّماء ،
و نجومُ أضواءِ أكواخ الـسُّــعُـف المتناثرة بين قامات النـّخيل ،
قمرٌ في السّـماء ، وقـمرٌ في الماء حيث يتعانق دجلة والفرات ،
أغراني هذا السِّحر فحططتُ فوق نخلة تحرسُ كوخاً فقيراً . .
من شـبّاك الكوخ رأيتُ امرأة ً تلبـــسُ الأســـوَد ، و سمعتُها تقرأ لطفلٍ
وطفلة :
. . . مـا مـرَّ عـامٌ والـعـراق لــيــــسَ فـيـه جـــوع . .
الإنسان : هـذا المقطع من قصيدة الـسَّـــــــيّـاب / أنـــشــــودة المـــطــــر /
طـائر اللقلق : نحن الطيور لا تهمُّـنا الأسـماء ولا نقدِّسها مثلكم معــشَر البــشــر ،
هل سـمعتَ عن لقلق ٍ اسـمه فلان . . . أو أنه قال كذا أو فعلَ كذا . . .
يعني إذا قلتَ : اللقلق . . فكأنـَّك عنيتَ جميع اللّقالق . . . .
ســلوك واحد . .طبيعة واحدة . . . أخلاق واحدة تجمع أمـَّــة اللقالق .
وأهمّ طبيعة فينا هي أننا لا نقلقل ولا نلقلق مثل بني البــشــر .
ولسنا بقـسـوتكم وفظاظتكم . . .
هل ســمعت عن لقلق ٍ قتل أخاه ، أو اغتصب لقلقة ً، أو حتى تحرَّشَ بها ؟ .
الإنـسـان : تفتقدون العقل . . . . لكن لا تنقـصُـكم الحكمة .
الهدهد : نحن لا نحتاج العقل والمنطق . . لأنهما يستخدمان لتزييف الحقائق .
في منطق الطيور الذبابة ذبابة وكفى ، ولا فائدة من وصفها بالحشرة ،
ومن معرفة عدد أرجلها ، ووضعها تحت المجهر . . .
قيمة الشيء لدى الطيور في مقدار خدمته لبقائها .
الإنسان : وماذا شاهدتم أيضاً أيها الحكيم ؟
الهدهد : شــاهدنا طائرة أمين الجامعة تتجه نحو الـشــرق ،
والطائرات الرّئاســيّـة والملكيّة والأميريّة تتجه نحو الغرب .
الإنسان : وماذا أيضاً ؟ .
الهدهد : شــاهدنا ســلاماً ميتاً ، ونذُرَ حرب .
الإنسان : وماذا أيضاً ؟ .
الهدهد : شــاهدناكم تصدِّقون الحقائب الدّبلوماســيّة المتنقلة بين عواصمكم ، وهي

تحمل وعود الـسَّــلام لكم ، والــسِّــلاح لأعـدائكم ، وتحمل عشرات الخطط
مـسـبقة الصنع والجاهزة للطرح برحلات مكّوكيّة ، و بعد أن يقتلوا خطّة
يخرجون أخرى ، و بعد خطة الطّريق هناك عشرات الخطط .
اللقلق : خطة الطريق جعلتكم على الطريق . . . تماماً تحت عجلات الشاحنات .
( تضحك الطيور ويعلو هرجها ومرجها )
البطة : بل جعلـَـتهم خارج الطريق ( يعلو صخب ضحك الطيور أكثر ) .
الورور : أنتم دائما تبذلون من الجهد والوقت في التحليل والاســتنتاج
وبرامج الـ Talk Show أكثر مما تبذلونه في العمل لحلٍّ مـشـاكلكم .
يجب أن تـســتفيدوا من تجربة الطيور . .
عندما ألاحق حشرة لألتقطها فإن حركة واحدة غير ضرورية تفقِدني إيّـاها .
البطّـة : لديكم من المدافع والبنادق أكثر مما لديكم من الخبز والحرِّية و الكرامة ،
تنظرون إلى البعيد وتغفلون عن الهاوية تلامــسُ أقدامكم .
الإنسان : ( بنفاذ صبر ) وماذا رأيتم أيضاً ؟
الهدهد : شــاهدنا الأخطار تحاصركم ، وأنتم تكدِّســون الشِّـعارات ،
الإنسان : وهل من بديل لديكم ؟
الهدهد : لدينا ســلوك ثابت . . . لدينا الكثير من الحقوق والواجبات
نلتزم بها دون قوانين ، ودون شـــرطـة ،
دون تردّد أو خوف ، ودون حــسـابات المصلحة والرِّبح ،
اللقلق : لدينا الحرّية الحقيقيّة ، فلا حدود ، ولا ســجون ، ولا جوازات سـفر .
ولدينا الاشتراكيّة . . . لكلِّ طير منا نفـس الرِّيش واللون ،
أعشاشنا واحدة ، ومن ذات المواد الأوّليّة ،
غذاؤنا واحد ، ومقاماتنا واحدة .
وفي ذات الوقت كل طائر رأســمالي لكنه لا يظلم أحداً ،
لدينا رأسماليَّة الفرد .
البطـّة : على العكس منكم أبناء آدم . . . . .
حـدود . . . سـجون . . . . استغلال . . . جوازات سـفر . . .
لا حكم عليه . . . براءة ذمّـة . . . . سـمـسـرة . . . رشـاوى . . .
تهريب . . . رقيق أبيض . . . تـشغيل أطفال ، فضائح ،
بقشيش . . . . . جمعيات سكنية ، جمعيّات حقوق إنـســان ،
لم تعد تـسـيِّركم الرغبة بالبقاء ، بل المتعة ، وحبُّ المال .
نحن نتكاثر في أيام محدَّدة في فترة وفرة الغذاء ، والدِّفء ،
أنتم تتكاثرون وتــســتمتعون في كلِّ أيّام الـسَّــنة ،
المـتـعة عندكم أهمُّ من البقاء .
الهدهد : منظـَّمات دولية . . . حروب . . . مـشـافي . . . مصارف ،
مخدّرات . . . غـسـيل أموال . . . غسيل ذاكرة .
الورور : عروض أزياء . . . سـيّارات. . طائرات . . ناقلات نفط ،

سـباحة وسـياحة . . . . تجارة أعضاء . . . تجارة شــنطة ،
تجارة بكلِّ شـيء حتى ببعضكم .
طائر البجع : لكلٍّ منكم بيته المختلف اختلاف مكانتِه و ثروتِه ، و ذوقِـه .
وتلبسون بنفس هذه المقاييس . . . .
وتغيِّرون كلّ ما أعطتكم إيّـاه الطبيعة . . .
تصبغون الشـَّعر ، وترسمون الحواجب ، وتشـدّون جلد الوجه .
تنفخون الـشِّـفاه والأثداء والأرداف بالسّيليكون .
تلوِّنون جـلودَكم ، وعيونَكم . . . . ابتعدتم عن أمِّكم الطبيعة .
الإنسان ( يشرد قليلاً ) : ذكّرتموني حبيبتي . . .
سـألتها في اللقاء الأوّل : ما لـون شــعركِ الحقيقي ؟
قالت : تعــرفُ لونه في لقائنا القادم .
في اللقاء التالي عادت بشعر ٍ كـســتنائي أعادها امرأة تشبه ذاتها ،
وحين عرفـَت أن ما أمتلكه من الأخلاق و الأفكار والهواجس ،
وما أدافع عنه من القضايا هو أكثر ممّا أملك من المال صبغت شعرها ، وهجرتني .
( يصمت برهة ) وما زلت أكتب الشّعر فيها .
الهدهد : الشـِّـــعر أفضل ما تنتجون .
لكنـَّكم خياليّون .
الإنسان : وهل تقول الطيور الــشـّـــعــر ؟
طائر البجع : مـــا أكـثـر أســـئلتكم يا بني البـــشــر ، ولا يستطيع الطائر الحصول
منكم على إجابة واحدة !
الإنــســـان : هاتِ ســـؤالك .
طائر البجع : أين الماء الذي حدَّثني عـنه أبي في هذا المجرى ؟
كان أبي يقول : هناك إلى الــشــــرق من أقدم مدينة في التاريخ
نهرٌ يوصِل الماء بارداً رقراقاً كما لو أنَّه نبع من تفجُّره إلى مصبِّه ،
لا أكاد ألمـسُ أثراً للماء . . . . خـراءٌ بـِخـراء .
الإنـسان : وأين أبوك الآن لأســأله عن أيَّــام الماء والغوطة الخضراء ؟
طـائر البجــع :أبي كـان منذ هِـجرَتين يفتح منقاره ليلتقط السَّمك عند مصبِّ الدّانوب .
التقطَ شيئاً . . اعـتقدَ أنه سمكة ، وعندما رفع رأسه وابتلعها خنقته . .
فقد كانت فـوطـة نــســـائيّــة بـجـناحـيـــن .
الإنــســان : رحِــمَــه الله . . . . وأمُّــك . . . أين هي ؟
طـائر البجع : أمّي ابتلعت واقياً ذكريّـاً أقـفـلَ أمعاءها في بودابست .
الإنسان : لقد لوَّثنا بيئتكم .
البـطّـة : ولوَّثتم هواءكم وماءكم وترابكم ، وغذاءكم ، فأنتم تأكلون كلَّ شيء ،
ما فوق التراب وما تحت الماء ، وما يطير في الهواء ،
تأكلون اللحوم والأسـماك والنباتات والبذور ،
حتى أصبحتم تقاسـموننا بَيضَ الـسَّـمك ، والحــشــرات ،

تأكلون كلَّ ما يتحرَّك وما لا يتحرَّك حتى أصبحتم تأكلون بعضكم .
كلُّ طعامكم ملوَّث أو مدنـَّـــس .
طائر البجع : ونحن معشر الطّيور نتندَّر أن الفراريج المسكينة تصبح في مداجنكم
بحجم البطة خلال شهرين أو أقلَّ . . أي أنكم تأكلون الوهم ،
ولا تـسـايرون الطبيعة ، كل شيء لديكم غير حقيقيٍّ حتى الغذاء .
غذاؤكم لا تصنعه الطبيعة بل الآلة .
اللقلق : انظروا إلى ريـشـي كيف أصبح شــاحباً من الكلور والزّئبق .
الإنــسان : ( يوجه كلامه للوَروَر ) وما هذا الخاتم في رجلِكَ ؟
الـوَروَر : ما هذا برأيك ؟ ! . . . خاتم زواج يعني ؟ ! ( تضحك الطيور )
هذه خواتم يضعها علماؤكم في أرجلنا ليستمتعوا بانتصارهم أن الطائر
الذي وضعوا الخاتم في رجله عند منابع النِّيل قد وصل كازاخستان
أو وَروَرسـتان حيّـاً دون أن تناله بنادق الصَّيد أو الـشـِّراك أو التلوُّث ،
ودون أن يدخل في محرِّك طائرة أو يقضي عليه الثـُّـقـب .
الإنسان : ثقب ماذا ؟
الورور : يعني . . . . ثقب الأوزون . . ثقب أسـوَد . . . ثقب بندقيّة . . ثقب مدفع ،
ثقب مصيدة ، ثقب . . . الإنسان يتبعنا حتى أصبحت العيشة لا تطاق .
يا رجُـل . . . . . . حتى طعم الحشرات تغيَّر ، ولم أعد أجد لذَّة في التقاطها
لأنها تطير منهكة لاهثة لكثرة ما تبتلع من المبيدات .
الإنسان : يلاحقـُك الصّيّادون لأنك تلتهم النّحل حتى تفني طوائفه .
الورور : كنتُ وكان النّحل موجوداً قبل وجود الإنسان فلم أفنَ ولم يَـفنَ ، إلا أنكم
أخرجتموه من الجبال ومما تعرشــون ، وحبـسـتموه في صناديق ، وسـطوتم
على عـسـله . . فأيّنا أكثر ظلماً ؟
الإنسان : هو قانون الطبيعة . . . قانونكم . . . البقاء للأقوى ، والحقّ معه .
الورور : لن أدخل معك في جدَل ٍ . . . . ماذا تـســمُّونه ؟
الإنسان : جدل بيزنطي ؟ .
الورور : بيزنطي ، روماني لا يهم أنتم البـشـر لا تعرفون إلا الكلام .
الإنسان : لو عرفتم يا أصدقائي الإحـسـاس بالزَّمن لعرفتم المعنى الحقيقي للمعاناة ،
زمنكم زمن طبيعي ، أصغر وحدة فيه النهار أو الليل ، وأكبرها أحد
الفصول ، أما نحن فنحسُّ الماضي ، ونخاف المستقبل ، ويخنقنا الحاضر،
اخترعنا الزمن كي نربط به أفعالنا ، ثانية ودقيقة ، وساعة ويوماّ وشهراً ،
وفصلاً ، وعاماّ ، وعقداً ، وقرناً ، وألفيَّة ، و . . . و . .
اللقلق : الظلم يجعلكم أبناء آدم تحـسُّــون اللحظة أطولَ من حقيقتها ،
الليلُ هوَ هوَ ، والنهار كذلك ،
لكنكم تحـسُّــون أنهما أطول كلما ضاق المكان وقلَّت الخيارات ،
فكيف لكم أن تحـسُّــوا حقيقة الزَّمن وكلُّ ما حولكم إلزامي ؟ .
الإنسان : صدقتَ . . . . ( ويلتفت نحو الجمهور )

كل ما حولنا إلزامي . . . . من الولادة إلى الموت .
الجوقة : كلُّ ما حولنا إلزامي .
الإنسان : لا نختار ولادتنا ، ولا نحدِّد اللحظة الأخيرة .
الجوقة : كلُّ مـا حولنا إلزامي .
الإنسان : ملزمون أن نأكل . . أن نشرب . . أن . . . . .
ملزمون أن نتكلّم . . . أن نصمت . . . أن نتحرّك .
الجوقة : كلُّ مــا حولنا إلزامي .
الإنسان : نحاول أن نفكر . . . نحاول أن نحــسَّ طعماً للهواء .
الجوقة : كلُّ مـا حولنا إلزامي .
الإنسان : نتساءل أحياناً :
عندما نقول : نحن بخير . . . . هل نقصدها ؟
نقول : الحمد لله . . . هل نجيب عن صدق وإيمان ؟
نقول : تـُفرج . . . . . ألا نتوهّـم ؟
الجوقة : كلُّ مـا حولنا إلزامي .
الإنسان : هل نملك ألا ننام ؟ . . . ألا نتنفـَّــس . . . ألا . . . . ألا . . .
حتى الطبيعة تـُلزمُنا .
الجوقة : كلُّ ما حولنا إلزاميّ .
الإنسان : النـُّمو إلزامي . . . المرض إلزامي . . . حتى الثـّياب إلزاميَّـة .
الجوقة : كلُّ ما حولنا إلزاميّ .
الإنسان : العسكريّة إلزاميّة . . . . الحضور والغياب إلزاميّـان .
التـَّعليم إلزاميٌّ ومجّـاني . . . والتصفيق إلزاميٌّ ومجّـاني . . .
التـّردّد . . . الخوف . . . التـّبرّع . . . المديح . . . . الهجاء . . . .
حتى العمل الطـَّوعي إلزاميّ .
( يدخل طائر القطا مــســرعاً وينزلق فوق خشبة المسرح وهو يصيح . . . )
القطا : أهربوا . . . . أهربوا . . . . الصيَّادون قادمون .
اللقلق : أنا لا أرى أحداً .
القطا : أنا رأيت أحد كلاب الصَّيد . . . وأول ما يُرى من الصَّـــيّاد كلبُه .
الإنسان : صدِّقوا هذا الطائر فهو مضرب المثل لدى البشر في الصِّدق ،
ونحن نقول في أمثالنا : أصدقُ من القطا .
( يُــســمَع في هذه اللحظة صــوت عياراتٍ ناريّة فتفزع الطّيور وتعلو فوق خشبة
المــســـرح بوسـاطة الحبال المربوطة بظهورها . . . و ترفرف قليلاً في مكانها )

البطـّة : لاحظ أيها الإنسان أن هناك قانوناً يمنع الصَّيد ، لكنكم لا تلتزمون حتى
بالقوانين التي تضعونها أنتم ، فكيف لكم أن تلتزموا بقوانين الطبيعة .
الطيور : أقلُّ الكائنات إنـســانيـَّـة هــو الإنـســان
أقلُّ الكائنات إنـســانيـَّـة هــو الإنـســان
أقلُّ الكائنات إنـســانيـَّـة هــو الإنـســان

( وتكرِّر الطيور هذه العبارة خمــسَ أو سِــتَّ مرَّات )
الإنسان : ( يتابع الطيور بنظره ) كـيفَ أمتلك جناحين أيها الحكماء ؟
الطيور : الأمرُ ســهـل . . . تـحـرَّرْ من قيود إنـسـانيَّـتـك ،
دَعْ روحَك توجِّهـك فهي الأصدق وقد عاشــت كل أجيالك ،
وخبرتها أكبر من خبرتك . . واتبع الطبيعة .
الإنسان : ســأفعل ذلك . . لكـن . . .
بالله عليكم عـجِّـلـوا . . . خـذوني معكم إلى حـلمِكم ،
فقد أثرتم رغبتي في اتـِّـباع أســرابكم للوصول إلى الدِّفء .
أنـتـم على حـق . . .

الوطن حيث نلقى الـدِّفء .
الوطن حيث نلقى الدِّفء .
الوطن حيث نلقى الدِّفء

( يعلو الصّوت في كلّ جملة عن الجملة التي قبلها . . . وتنطفيء أضواء المـسـرح بينما يستمر الإنسان في ترديد عبارته )

جـواد الـشـوفي
Jawad1711@hotmail.com

* * * * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الطيور المهاجرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
محمّد الفاضل سليمان :: قصص الأطفال :: مسرح الطفل-
انتقل الى: