منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد عمّر الفينيقيون جزر قرقنة وغرسوا فيها الزياتين والكروم، وهذا ما ذكره هيرودوتس في ق 5م، مسمّيا الأرخبيل بكيرانيس (Kyrannis)، وهو اسم اتخذ صيغا مختلفة. وقد تحدّث بعض المؤرخين عن جزيرتين في الأرخبيل: كركنّيتيس (Kerkinnitis) الجزيرة الغربية الصغرى، وكركينا (Kerkinna) الجزيرة الشرقية الكبرى حيث المدينة الفينيقية المعروفة عند الرومان باسم (Cercinae) ومازالت بعض آثارها في موقع برج الحصار ويسمّيها الأهالي: المدينة. وقد قال عنها المؤرخ ديودور الصقلي (Diodore de Sicile) إنّها كانت مرفأ ممتازا للسفن الكبرى التجارية والحربية. وفي سنة 217ق.م، حاصر قرقنة أسطول روماني وفرض على أهلها جزية ثقيلة. وفي سنة 195ق.م، فرّ إليها حنّبعل متجها إلى سوريا، كما فرّ إليها سنة 88ق.م، القائد الروماني ماريوس متجها بجيشه إلى روما. وفي سنة 46ق.م، أدّت قرقنة دورا مهمّا في الصراع بين يوليوس قيصر وأتباع حزب بومبيوس (Pompée) الجمهوري بمؤازرة الأوّل. وفي السنة الأولى للميلاد نفي فيها كيوس سمبرونيوس غراكوس (Caius Sempronius Grachus) للعلاقة المشبوهة بينه وبين جولي (Julie) ابنة الامبراطور أوغسطوس إلى أن أعدمه زوجها الإمبراطور تيباريوس. وفي ق3م. أصبحت قرقنة تابعة لحضرموت أي سوسة، ويدلّ اسم الأسقف أثينيوس (Athenius) القرقني على دخول المسيحية الأرخبيل في ق5م. وقد ظهر في ق6م. القديس فولجانس (Fulgence) وبنى في مكان شلمي (Chilmi) (لعلّه الرمادية أو الرقيق) ديرا استقرّ به سنة 532م. وآثار قرقنة الرومانية دليل على رخائها الاقتصادي فضلا عن مركزها الاستراتيجي البحري، من ذلك المرافئ والفسقيات والطرق المعبدة الرابطة بين الجزر.
وفي أوّل العهد الاسلامي بالبلاد اتّخذ البيزنطيون قرقنة للتصدّي لحملات الفتح للاحتفاظ بالساحل الجنوبي وخاصة صفاقس إلى أن فتحت بعد تأسيس القيروان على الأرجح. شيّد فيها رباط يدلّ على قيمتها الإستراتيجية ثمّ أصبحت تابعة لإمارة برغواطة بصفاقس، ولم يسترجعها الصنهاجيون إلاّ سنة 483هـ/1090م في عهد تميم بن المعزّ.
تعرّضت قرقنة لغزو ملك صقلية النرماني روجار الثاني مرّتين، سنة 540هـ/1145م ثم سنة 548هـ/1153م وخضعت لسيطرته مدّة سبع سنوات. واعتبر الإدريسي ذلك فتحا لها إذ كان يعيش في بلاط هذا الملك، قال: "وقرقنة جزيرة حسنة عامرة بأهلها، وليس بها مدينة، وإنّما سكناهم في أخصاص، وهي خصبة كثيرة الكروم والأعناب وغلاّت الكمّون والأنيسون وهي الحبة الحلوة، استفتحها الملك المعظّم روجار سنة 548هـ/1153م وفي الطرف الغربي منها كهوف وغيران يتحصّنون فيها ممّن يريدهم وتسمّى القربدي..." وبفضل الموحّدين طرد النرمان عنها سنة الأخماس. وبدخول ق7هـ/13م أصبحت قرقنة محلّ صراع بين دولتين مسيحيتين: صقلية وأراغون. فنتيجة ضعف البحرية الحفصية استولى عليها سنة 684هـ/1285م الأميرال روجار دي لوركا (Roger de Lorca) لحساب بيار الأراغوني (Pierre d'Aragon) لمدّة عشرين سنة.
وفي 11 أوت 1295م أصدر البابا بونيفاس (Boniface) أمرًا بإلحاق الجزيرة بأملاك الكنيسة. وفي سنة 1309م أصبحت إقطاعا للضّابط الصقلّي ريموند مونتانس (Raymond Montanes)، واعترف بذلك ملك صقلية سنة 1311م وملك أراغون سنة 1314م. ولكنّ الأهالي لم يرضوا بالوضع فثاروا سنة 1335م ضدّ المسيحيين وطردوهم حتّى استقلّ بها عن الحفصيين الأمير أحمد بن مكّي سنة 1356م. وبتقلّص الخطر الصقلّي تفاقم الخطر الاسباني. ففي أوائل ديسمبر 1423م اقتحم قرقنة أسطول ألفونصو الأراغوني فكانت الهزيمة ثقيلة على الأهالي ومؤلمة جدّا. وتواصل الصراع عليها بين الاسبان والأتراك منذ محاولة غرسية الطليطلي (Garcia de Tolède) سنة 1510م. واستطاع الأهالي بفضل درغوث باشا وضع حدّ لأطماع الصقليين والإسبان في الجزيرة المتضررة من ذلك الصراع باستثناء هجوم الاسبان سنتي 1586 و1611م وأسطول البندقية سنة 1620م، ولكنّ الأتراك استرجعوها نهائيا سنة 1625م. وقد أشار الرحّالة الإسباني مرمول (Marmol) إلى مشاركة الأهالي الأتراك في القرصنة، وذكر من قراها: ملّيتة وأولاد بوعلي والشرقي، ومقرّ الخليفة في قرية الكلابّين، وقال إنّ أهلها ملاّحون ممتازون يعيشون على الصيد البحري وتربية الحيوانات وفلاحة الأشجار المثمرة وصناعة النسيج. وأشار الجنرال باديع مدوّن رحلة علي باي من مراكش إلى طرابلس عندما اضطرّته الزوبعة إلى البقاء ستّة أيام في الجزيرة بداية من 7 نوفمبر 1805 إلى صعوبة حياة السكّان، كما اضطرّ الكاتب شاتوبريان إلى البقاء فيها للسبب نفسه من 29 ديسمبر 1806م إلى أوّل جانفي 1807م. وفي تلك الفترة وصفها مؤرخ صفاقس محمود مقديش، وممّا قاله: "...ويمكن المشي بين الجزيرتين على الرجل في وسط الماء وقت الجزر، وتمشي دواب هذه إلى هذه والعكس، وليس لهم في جزيرتهم سوق وإنّما سوقهم صفاقس ومعايشهم من البحر، وبها إسفنج الماء الذي لا يوجد بغيرها، وبها جميع أنواع السمك وخصوصا القرنيط، ومن اصطياده تيسّر أحوالهم في الشدّة، ومنها يتجهّز به إلى الافاق..." وفي سنة 1839م زارها الرحالة الفرنسي فيليكس فلاشنكر (Félix Flachenker) فأعجب بمناظرها ونخيلها وزياتينها وكرومها وتينها، ولاحظ اشتغال بعض النساء بالحراثة بمحراث يجرّه حمار أو فرس أو جمل في الغالب، وفي أرجلهنّ خلاخل من الفضة والذهب وآذانهنّ محلاّة بأقراط تلمع، ولباسهنّ لا يخلو من أناقة مضافة إلى صغر سنّهنّ وجمالهنّ.
وأشار بلّيسيي (Pélissier) سنة 1840م إلى قرى الجزيرة وهي: الشرقي والعطايا والعباسية والكلاّبين وأولاد علي وأولاد يانق وأولاد قاسم والرملة في الجزيرة الكبيرة، حيث مقرّ الخليفة وقنصلية للانڨليز، وملّيتة بمفردها في الجزيرة الصغيرة، وأضاف أنّ البيوت مسقّفة بجذوع النخل، وفي وقت المجاعة يتغذّى بدقيقها المسحوق. ونوّه بصناعة الحلفاء وتصدير الأخطبوط المجفّف وتقديم ضريع البحر علفا للماشية. وقرقنة اليوم مشهورة بفلكلورها الذي لا تغيب عنه الجحفة، ومن عادة الأهالي إبقاؤها على سطح البيت إلى حين إنجاب المولود الأوّل، عندئذ تُنزل وتستعمل حطبا لإعداد أكلة "الحوار" بالمناسبة.