نـزار قـبانـي
_________________
قارئة الفنجان
جَلَسَت والخوفُ بعينيها
تتأمَّلُ فنجاني المقلوب
قالت:
يا ولدي.. لا تَحزَن
فالحُبُّ عَليكَ هوَ المكتوب
يا ولدي،
قد ماتَ شهيداً
من ماتَ على دينِ المحبوب
فنجانك دنيا مرعبةٌ
وحياتُكَ أسفارٌ وحروب..
ستُحِبُّ كثيراً يا ولدي..
وتموتُ كثيراً يا ولدي
وستعشقُ كُلَّ نساءِ الأرض..
وتَرجِعُ كالملكِ المغلوب
بحياتك يا ولدي امرأةٌ
عيناها، سبحانَ المعبود
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها موسيقى و ورود
لكنَّ سماءكَ ممطرةٌ..
وطريقكَ مسدودٌ.. مسدود
فحبيبةُ قلبكَ.. يا ولدي
نائمةٌ في قصرٍ مرصود
والقصرُ كبيرٌ يا ولدي
وكلابٌ تحرسُهُ.. وجنود
وأميرةُ قلبكَ نائمةٌ..
من يدخُلُ حُجرتها مفقود..
من يطلبُ يَدَها..
من يَدنو من سورِ حديقتها.. مفقود
من حاولَ فكَّ ضفائرها..
يا ولدي..
مفقودٌ.. مفقود
بصَّرتُ.. ونجَّمت كثيراً
لكنّي.. لم أقرأ أبداً
فنجاناً يشبهُ فنجانك
لم أعرف أبداً يا ولدي..
أحزاناً تشبهُ أحزانك
مقدُورُكَ.. أن تمشي أبداً
في الحُبِّ .. على حدِّ الخنجر
وتَظلَّ وحيداً كالأصداف
وتظلَّ حزيناً كالصفصاف
مقدوركَ أن تمضي أبداً..
في بحرِ الحُبِّ بغيرِ قُلوع
وتُحبُّ ملايينَ المَرَّاتِ...
وترجعُ كالملكِ المخلوع..
__________________
جِسمُكِ خارطتي
زيديني عِشقاً.. زيديني
يا أحلى نوباتِ جُنوني
يا سِفرَ الخَنجَرِ في أنسجتي
يا غَلغَلةَ السِّكِّينِ..
زيديني غرقاً يا سيِّدتي
إن البحرَ يناديني
زيديني موتاً..
علَّ الموت، إذا يقتلني، يحييني..
جِسمُكِ خارطتي.. ما عادت
خارطةُ العالمِ تعنيني..
أنا أقدمُ عاصمةٍ للحبّ
وجُرحي نقشٌ فرعوني
وجعي.. يمتدُّ كبقعةِ زيتٍ
من بيروتَ.. إلى الصِّينِ
وجعي قافلةٌ.. أرسلها
خلفاءُ الشامِ.. إلى الصينِ
في القرنِ السَّابعِ للميلاد
وضاعت في فم تَنّين
عصفورةَ قلبي، نيساني
يا رَمل البحرِ، ويا غاباتِ الزيتونِ
يا طعمَ الثلج، وطعمَ النار..
ونكهةَ شكي، ويقيني
أشعُرُ بالخوف من المجهولِ.. فآويني
أشعرُ بالخوفِ من الظلماء.. فضُميني
أشعرُ بالبردِ.. فغطيني
إحكي لي قصصاً للأطفال
وظلّي قربي..
غنِّيني..
فأنا من بدءِ التكوينِ
أبحثُ عن وطنٍ لجبيني..
عن حُبِّ امرأة..
يكتُبني فوقَ الجدرانِ.. ويمحوني
عن حبِّ امرأةٍ.. يأخذني
لحدودِ الشمسِ..
نوَّارةَ عُمري، مَروحتي
قنديلي، بوحَ بساتيني
مُدّي لي جسراً من رائحةِ الليمونِ..
وضعيني مشطاً عاجياً
في عُتمةِ شعركِ.. وانسيني
أنا نُقطةُ ماءٍ حائرةٌ
بقيت في دفترِ تشرينِ
زيديني عشقاً زيديني
يا أحلى نوباتِ جنوني
من أجلكِ أعتقتُ نسائي
وتركتُ التاريخَ ورائي
وشطبتُ شهادةَ ميلادي
وقطعتُ جميعَ شراييني...