محمّد الفاضل سليمان
بسم الله الرحمان الرحيم
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول
سنتشرف بتسجيلك
إدارة المنتدي
شكرا


محمّد الفاضل سليمان
بسم الله الرحمان الرحيم
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول
سنتشرف بتسجيلك
إدارة المنتدي
شكرا


محمّد الفاضل سليمان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محمّد الفاضل سليمان

عالم الطفل ، شعر، قصّة ، مسرح ، أناشيد ، علوم للأطفال ، معارف ، سيرة ذاتية للأديب محمد الفاضل سليمان
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 السّائل و الدّ جاجة تأليف : منذر ساسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد الفاضل سليمان
Admin
محمد الفاضل سليمان


عدد المساهمات : 1293
تاريخ التسجيل : 12/03/2008
العمر : 73
الموقع : https://fadelslimen.ahlamountada.com

السّائل و الدّ جاجة تأليف : منذر ساسي Empty
مُساهمةموضوع: السّائل و الدّ جاجة تأليف : منذر ساسي   السّائل و الدّ جاجة تأليف : منذر ساسي Icon_minitimeالجمعة 1 يناير - 14:43

سلسلة طرائف من التّراث
السّائل و الدّ جاجة
تأليف : منذر ساسي
يروى أنّ أحد الشّطّار في أيّام الدّولة العبّاسيّة ضرب في الفلاة يطلب
غنيمة يغتنمها أو فرصة ينتهزها . وجدّ في طلب غايته و قطع في سبيلها مسيرة
ثلاثة أيّام وثلاث ليال سويّا . وساقه سعيه إلى بادية في عمق صحراء النّجف
. فاستطعم أهلها فرزقوه من أوسط ما يطعمون .ثمّ إنّهم سألوه عن قصّته و عن
سبب خروجه وقد بدت عليه من الخصاصة و الفقر المدقع آثار . فقال:"كنت صاحب
مال و جاه و يسار و كان لي خدم وغلمان و قد خرجت على رأس تجارة أطلب
الشّام. فسطا عليّ قطّاع الطّرق فسلبوني مالي و متاعي وأسروا غلماني و لم
يكفهم السّطو على تجارتي حتّى انتزعوا منّي ثيابي بحدّ السّيف انتزاعا و
دفعوا إليّ بهذه الأطمار و تركوني نهبا للقيل و القال وضراوة السّؤال"
رقّ القوم لحاله و هدّؤوا من روعه وقالوا له : إنّ لنا شيخا في هذه
البادية لا يضام عنده المستجير و لا يعوز عنده المصاب ولا الفقير . فهلمّ
بنا إليه نجد لك عنده من ضيقك مخرجا و من همّك – إن شاء الله- فرجا .
و جاؤا شيخا جليلا . فألفوه في خيمته عليلا . لكنّه أبى إلاّ أن يتكلّف
العافية و الشّفاء و أن ينسى التّعب والعناء . فاستوى في مجلسه . و تهيّأ
للقاء ضيف قد حدّثه بعض من أسرع إليه برفع خبره عمّا ألمّ به من ظلم و حيف
. وكان شيخ البادية فطنا كريما و عاقلا حكيما لا تنطلي عليه حيلة و لا يجد
الشطّار و المحتالون لخداعه والإيقاع به وسيلة .فأذن للمنكوب في ماله
وتجارته بالدّخول عليه فعرفه من أطماره و اقتفى أثره في أحواله و أسماله .
وغضّ الطّرف عمّا عرف . وقال : »أحسنوا للضّيف و أكرموا نزله و مأواه
ثلاثا حتّى ننظر في أمر مساعدته في محنته و مواساته في نكبته «. و ظنّ
الشّاطر أنّ الغافل قد وقع فطرب لما سمع و شكر للشّيخ ما صنع .
و بعد انقضاء المدّة تهيّأ الشّاطر للرّحيل وجاء يقوده إلى الشّيخ
الدّليل.فنظر إليه الشّيخ نظرة خبير بمخايل الشّطار الفطنين و المتحيّلين
المتحذلقين وقال : إلى أين المسير يا عمّار ؟ فأجابه : سيّار ..اسمي سيّار
بن مسيار .ياسيّدي . قال الشّيخ : »عفوا يا سيّار يا ابن مسيار. عذرا إن
كنت قد أخطأت اسمك و لكنّ من أعرافنا أن لا نسأل الضّيف عن اسمه حتّى
يقوله بنفسه . أمّا عمّار فاسم نكنّي به عن كلّ نزيل يقيم بيننا فيأكل
طعامنا ويشرب ماءنا و يسقى لبننا . وإنّما نفعل ذلك تفاؤلا له بالعمار و
طول العمر و اليسار . وأيّا تكون الحال فالفأل خير يا سيّار.« فأسقط في يد
المتحذلق الفتك المحتال وقال في مكر من يبدي القناعة و الشّبع و يخفي
الجشع و البطر و الطّمع : "هو كما قلت ياعمّاه الفأل خير . والله أسأل أن
ينفع بك ويصلح على يديك . فقد – و الله – رأيت منكم كرما ما رأيته عند
غيركم وسمعت منكم كلاما يرفعكم و لا يضعكم . فنعم الرّجال أنتم وبئس
الرّجال حاسدوكم أعداؤكم ."
أدرك الشيخ الأعرابيّ بذكائه الفطريّ أنّ الشّاطر ممعن في تشطّره لم يقنع
بما طعم ولم يرض بما غنم . فقال يختبر عزمه على الرّحيل : "أراك قد هيّأت
نفسك للمسير ؟ قال : و الله لا أدري إلى أين المسير ولا إلى أيّ حال تصير
الأمور و لكنّ المقيم لا بدّ له من يوم للرّحيل . قال الشّيخ : هل لك في
صنعة الرّعي يعوّضك الله بها بعض ما فاتك من تجارتك ؟ "
واتّسعت حدقتا الشّاطر لما سمع و حسب أنّه قد بلغ مطلبه . و أدرك بشطارته
مقصده . و رأى الشّيخ التماع حدقتيه واختلاج جفنيه في عينيه وتغضّن ملامح
وجهه وارتفاع حاجبيه و إرخاءه لأذنيه وإسباله يديه على جانبيه و ضجيجه في
سكونه و اضطرابه في هدوئه وتلهّفه في تثاقله و سرعته في تباطئه وعجلته في
ريثه فأضاف لطمأنته على خطّته :"وأنا كما ترى رجل كبير السّنّ لا طاقة لي
على تحمّل أعباء السّعي فهل أجعل لك أجرا على أن تكفيني مشقّة الرّعي ؟".
أبدى الشّاطر بادي الرّأي ممانعة بدعوى أنّه يفكّر في رفع أمر قطّاع
الطّرق إلى والي البصرة عساه يساعده على استرداد ماله و تجارته . ولكنّه
سرعان ما ضرب صفحا عن ذلك بحجّة أنّ أمر ملاحقة هؤلاء الشّطّار يحتاج بدل
اليوم شهرا وربما أنفق الوالي فيه دهرا و أنّ الحكمة تقتضي أن لا يطلب
المرء غناه في افتقاره و أن يقنع بما تيسّر له من مصادر ارتزاقه .
فهم الشّيخ البدويّ مبتغاه من الحرص على البقاء والمكث .فكتم ذلك في نفسه
و طوى خبره في صدره . وأسرّ إلى بعض من كان عنده في بيته بأن يصطفي من
قطيع الأغنام عشرة رؤوس موصوفة يسمها جميعا من آذانها اليسرى بكيفيّة لا
تقلّل من بهائها في أعين ناظريها ولا تحطّ من قيمتها عند مشتريها .وأن
يختار من النّعاج خمسة و من الخراف مثلهنّ .فيفصلها عن القطيع في زريبة
مستقلّة على أنّها كلّ ما يملك من ماشية .و أمره أن يرصد صحبة رجال يثق
بأمانتهم حركات الرّاعي الجديد في إقامته وانتجاعه وحلّه و ترحاله على أن
لا يحرّك ساكنا حتّى و إن بدا له منه ما لا يحبّ و أن يكتفي باقتفاء آثاره
و تتبّع أخباره .
و بدأ الشّاطر يرعى الغنم فسيّر معه الشّيخ في الأسبوع الأوّل دليلا يقوده
إلى مواطن الرّعي ومواضع الشّبع و الرّيّ . وأظهر الأجير الانضباط و
الالتزام فسارت الأمور في ذلك الأسبوع على ما يرام . و في الأسبوع الموالي
خرج الشّاطر إلى الرّعي بلا صاحب أو خليل وقد رفع العذر عن الرّفيق و
الدّليل بعد أن اكتشف الرّاعي المرعى الخصب والمورد العذب.وعرف المسلك
والدّرب و أدرك الذّلول و الوعر من السّهول والشّعاب لدى الذّهاب وعند
الإياب .بيد أن الشّيخ الأعرابيّ لم يرفع عنه العيون .وظلّ يرقبه في
الحركة وفي السّكون .
وفكّر الشّاطر في المرّات الّتي انفرد فيها بالقطيع وابتعد في أن يضرب
ضربته وينقضّ على غنيمته .ولكنّه كان في كلّ مرّة يتراجع عن قراره إمعانا
في طمأنة حذر يجهله ويخشاه و إصرارا على كسب ثقة تلفظه و تأباه. حتّى إذا
انقضى أسبوعان من الخدمة وكان قد ساق قطيعه كالمعتاد إلى المرعى .فنظر من
حوله فلم ير إنسّيّا ولا جنّيّا. ودقّق السّمع فلم يسمع . وطلب صاحيا فلم
يقع إلا على غافل . و في غفلة من القوم – أو هكذا بدا له – ساق القطيع
أمامه .وسلك طرقا ملتوية وبطون أودية .وارتقى بتلك الأغنام هضابا .حتّى
إذا بلغ بها منحدرا غاب فيه عن المراعي المجاورة للنّجع غيّر وجهة القطيع
ليسلك طريقا مختصرة أطلّت به على تخوم مدينة البصرة .وظهرت له المدينة
بمساكنها ومعالمها فتنفّس الصّعداء وقال محدّثا نفسه في خيلاء:" أدخل
المدينة على أنّني أحد التّجّار فأرد مورد الأعراب في عرصة المربد فأبيع و
أشتري وأشنّف مسامعي بطريف النوادر وأملأ بطني و أشبع جوع نفسي ثمّ أطلب
لي وجهة بحسب ما تقتضيه الظّروف و تصنعه الأقدار " .ثمّ إنّه أوقف القطيع
و أخرج من جراب له ثوبا كان وهبه إيّاه شيخ البادية ونظر إليه في إعجاب و
قال :"هذا لباس يليق بتاجر مثلي . ولا شكّ أنّ أحدا لن يستطيع اكتشاف أمري
. وهو في هذه الحال خير من تلك الأسمال " .و خلع أطماره .و وضع الثّوب
الجديد .ويمّم وجهه صوب سوق المربد بالبصرة .حتّى إذا بلغه في آخرة من
النّهار وقبل أن تميل الشّمس إلى الغرب و تتوارى بالحجب وجده مكتظّا
بالّذين توافدوا عليه من المدر و الوبر . فاتّخذ له مكانا بين التّجّار .
و أظهر بين أصحاب الماشية من البدو الهيبة و الوقار .فحافظ على هدوئه و
سكينته. ثمّ سمع النّاس ينادون على بضاعتهم فما لبث أن رفع بالنّداء
عقيرته . واشترى منه قطيعه رجل من أثرياء البصرة لما رآه في تلك الرّؤوس
من امتلاء وولما لمسه فيها من بهاء أعجبه و رواء .ونقده الثّمن نقدا على
نقد . فورد عليه شيء لم يكن في حسابه . فلاحظ الرّجل الموسر اختلاله
وانشغاله فسأله : فيم الاستغراق و التّفكير ؟! ألم يعجبك المبلغ أم لعلّ
الثّمن الّذي نقدتك إيّاه قليل ؟. فأجاب بدهاء شديد : لا يا سيّدي فقد
وفّقت إذ نقدت و وفّيت إذ وزنت وكلت وما بخست . غير أنّي بت أفكّر في أمر
لو تحقّق لاستقر بي المقام في الحضر و المدر واسترحت من عيشة البدو و
الوبر .قال : وما الأمر ؟ قال : إنّي أفكّر في تثمير هذا المال في تجارة
أو صناعة حلال . غير أنّي أخشى التّلف و الضّياع كما أخشى الفساد و الكساد
.قال الرّجل : نعمت الفكرة فكرتك .كم تدفع لو جئتك بمن يشاركك ؟ قال في
مكر : أدفع ما لا يحيط به علمك و لا يخطر على قلبك . أدفع مالي كلّه و
أهبك بركته إن بورك فيه .قال : فأنا شريكك إن شئت و هذه محلاّتي مليئة
بالبضاعة تنتظر إشارة منك . قال منتهزا الفرصة : نعم الرّأي رأيك .وهل أجد
من يفضلك و قد بعتك ما عندي فلم تبخس الحقّ ولزمت في تجارتك الأمانة و
الصّدق. متى نبرم العقد ونبدأ العدّ ؟ فأجابه الرّجل: بهذه السّرعة وافقت
؟! الآن إن شئت .
و أبرمت العقود بينهما بمن حضر من الشّهود . ودفع الشّاطر له نصف المبلغ
الّذي قبضه منه وقال : ابدأ عملك بهذا . فإن بورك فيه دفعت إليك ما بقي
منه لتثمّره . قال : حسنا وأين مقرّ سكناك و كيف الوصول إليك متى أردناك ؟
قال : اختر لي محلاّ قريبا من محلّك فأنا لا أحبّ أن أكون بعيد الدّار. و
إن شئت دفعت لك الإجار. فأنا نزلت من البدو للتّوّ ولا علم عندي بعوائد
الأمصار .قال : هي ذي مساكني في الكرخ اختر لك دارا تسكنها من الدّيار
الّتي لم يعرف قاطنها
وجاوره . وكانت للرّجل الموسر فتاة ذات جمال . رآها الشّاطر سيّار أثناء
ارتياده بعض محلاّت شريكه صدفة مرّة بعد مرّة. فوقعت في قلبه و عبثت
بلبّه. وفكّر في خطبتها فخاف أن لا يكون كفؤا لها.فعدل عن قراره و ألزم
نفسه التّوسّط في خياره . وقال:عاش من عرف قدر نفسه ولم يطلب منزلة فوق
منزلته .
وإنّه لكذلك بين رغبته في التّقدّم و رهبته من التّقزّم إذ دعاه صاحبه إلى
مجلسه في داره دعوة لمشاورته في أمر تجارته الّتي ربت وظهر ربحها ونما
خيرها. فعدّل هيئته. ولبّى دعوته . وقرن صاحب الدّار في الأثناء فجأة
حاجبيه و صفّق بيديه. فأقبلت إلى مجلسه فتاة ألبسها الحياء تاجا فلم ير في
سيرها اعوجاجا . فقال لها سيّدها : إيتنا يا جارية الغداء نسكّن به ضجيج
الأمعاء. " سمعا و طاعة يا مولاي" أجابت على استحياء . فأدرك الشّاطر أنّ
الفتاة الّتي عبثت بلبّه وظنّها من الأحرار كانت من الإماء وأنّ فرصة
الفوز بها لم تزل متاحة و أنّ بإمكانه أن يحدّث بشأنها سيّدها رواحة
.ورمقها بنظرات أبدت على وجهه حسرات. .فقال له شريكه رواحة بن إياس : لم
لـم تتزوّج حتّى الآن يا سيّار ؟ قال في دهاء:" لم يكن الوقت بعد قد حان و
لكنّني مع ذلك فكّرت مرارا في الزّواج و أظنّني قد عثرت على صاحبة التّاج"
وفهم رواحة مراده فقال : أوتعجبك هذه الفتاة الجميلة ؟ فأجابه : قليلا
.قال: فهل تريدها لك زوجة ؟ قال: هذا كرم منك . قال: هي لك زوجة إن شئت .
قال: قبلت و وفّقت .
و أقيم الزّفاف . فألزم الشّاطر الأمة داره. و نسي تشطّره و قماره .وغلب
عليه حبّ الوجاهة بعد الطّيش و السّفاهة . ورأى تجارته تنمو و تزداد .
فظنّ أنّ الدّهر أسلم له القياد. وأنّه قد غلب و صار من الأسياد.و أعمى
المال بصيرته فنسي من شقوته خيانته وسطوته.وظنّ أنّه اكتسبه ببراعته و
فطنته .وحسب أنّه أوتيه على علم عنده .وأن لولا اجتهاده في طلب الغنى
وتجشّمه من أجله الاغتراب و ركوبه الأخطار و الصّعاب وصبره على الذّلّ و
الهوان وفقده الإحساس بالأمن و الأمان لما حقّق معشار ما حقّقه .فنمت لديه
عقيدة التّهافت على ما عند النّاس و البخل بما عنده ولا باس . وكان أهله
منه في بلاء ومحنة و عناء. يدعى إلى الإنفاق على الفقراء فيأبى العطاء
مخافة الفقر و الشّقاء. وكلّما ذكرت له زوجه المساكين قال متهكّما ساخرا :
"يا مسكينة المساكين كيف غاب عنك أنّ بغداد تعج بالشّطّار و العيّارين و
المكدّين و المتحيّلين ؟ إن هؤلاء المتسوّلين هم من أثرى أثرياء بغداد إن
كنت لا تعلمين "
ولم تكن الزّوجة المسكينة لتفهم المقاصد القريبة والبعيدة من كلام سيّار
لأنّها لا تعرف أنّه ينحدر من سلالة الشّطّار الّذين يسبّهم و يصله سبب
متين بالمكدّين الّذين ييشتمهم و يذمّهم . من أجل جهلها بحقيقة أمره كانت
تسايره و تهادنه على فساد طبعه وتطيعه خوفا من بطشه وغضبه .وكان رجلا شرس
الطّباع إذا غضب .
وجلس يوما و إيّاها على الغداء وبين أيديهما دجاجة مشويّة استأثر بأجود
مافيها لنفسه. وجاد بما سقط منها على زوجه. فكانت تؤاكله كرها و تجالسه
اضطرارا. وهو يأكل شرها و يجحد عشرتها جهارا .حتّى إذا وقف السّائل ببابه
خرج إليه وانتهره انتهارا.وعاتكة ترىو تسمع و لا تدري ما تصنع .
و دارت الأيّام دورتها وحال على زواج الشّاطر الحول وظنّ أنّه صار من ذوي
الحول و الطّول . وطرق بابه يوما رجل ما إن فتح الباب و رآه حتّى أوصده و
جفاه . ورأت زوجته اختلاجه و اضطرابه فسألته مستنكرة فعله و جوابه : لم
توصد الباب عيانا و ما عهدتك جبانا ؟قال: لا تفتحي الباب هذه الأيّام لأحد
وإذا سألوك عنّي فأنا لست من هذا البلد .
وطرق الباب مرّة أخرى .وأسقط في يد الزّوج بدل المرّة عشرة . ولم يدر ما
يفعل ففكّر و قدّر ثمّ اتّجه إلى الحمّام وقال إن سألك أحد عنّي فقولي
إنّه مصاب بإسهال .وفتحت عاتكة الباب فإذا شيخ عند الباب بإزائها عليه من
الوقار ما يكفي لاستقباله في بيتها .فعجبت من أمر زوجها كيف يوصد الباب في
وجه رجل كبير وسألته عن حاجته فقال : أين سيّدك يا أمة الله ؟ قالت: تعني
زوجي ؟ قال بل أعني سيّدك . ألم تكوني إحدى فتيات فلان ؟ قالت : بلى .قال
: فأين أجده ؟ قالت : أمهلني قليلا ريثما أستأذن من زوجي وسأسير بك إليه .
و أعلمت زوجها فأسقط في يده و يدها . وسارت مع الطّارق إلى سيّدها وما إن
رآه حتّى عرفه فالتزمه وقال له : أبا القاسم! كيف حالك ياشيخنا؟ مضى زمن
على آخر لقاء بيننا .فأجابه الشّيخ على الفور : عجبا ما أسرع ما يتسرّب
إليك النّسيان يا رواحة بن إياس ! أنسيت القطيع الّذي دفعت ثمنه للرّاعي
سيّار نقدا ثمّ استلمته و أبرمت عليه عقدا ؟ فصعق رواحة من مقالته وقال :
من ؟..ماذا..؟ سيّار ..؟ فأضاف مؤكّدا : نعم سيّار أ و لم يبعك عشرة رؤوس
من الأغنام بين خراف و نعاج سمان وكانت ألوان أوبارها كذا وكذا ؟ قال :
بلى . ما تقوله صحيح صريح لكنّ الماكر لم يعلمني أنّه أحد أعوانك وأنّع
يشتغل لحسابك .قال: هو كما قلت . فقد ائتمنته فخان وأبررته و صنته إذ
اصطنعته وما برّ وما صان .
- ماذا ؟ تعني..؟
- نعم .. أعني أنّه محتال و مخادع ختّال. وقد عرفته كذلك للوهلة الأولى
حين حلّ بيننا في البادية في أسماله مدّعيا أنّ قطّاع الطّرق سطوا على
جماله و استولوا على تجارته و ماله .وقد آويناه و أطعمناه. وأسلمنا إليه
قطيعا و التمسنا فيه بما أصاب منّا من خير برّا وديعا .و أحسبه استضعفنا
وظنّ أنّنا أسلمنا إليه رقابنا حين جعلناه راعيا على بعض أغنامنا. و لم
يكن يعلم أنّني بثثت وراءه العيون يرصدونه في الحراك و في السّكون . و
أنّهم كانوا يرونه من حيث لا يراهم منذ أن ساق القطيع ،و سلك به الطّريق
السّريع ،و أنّ أخباره كانت تصل إلينا بانتظام طيلة هذا العام . ولو أردت
به سوءا لما استطاع أن يصل إليكم ولما كنت أنا الآن بين يديكم . ولقد علمت
أنّ القطيع قد وصل إليك فأدركت أنّ مالى لن يذهب باطلا بين يديك و أنّني
متى أردته أخذته خاصّة بعدما علمت أنّ سيّارا هذا قد استقرّ به المقام في
البصرة بجوارك و في دار من ديارك . ثمّ بلغني أنّه صاهرك و تزّوج بإحدى
فتياتك فقلت :غدا يتوب ويعلم أنّ المال الّذي استولى عليه ليس من حقّه
وربما فكّر في ردّه .و لكنّني سمعت عنه أخبارا في السّوق ساءتني فقلت أخرج
من صمتي وهدنتي و أعلم صاحبي أيّ رجل صاهر و أيّ مقامرة قامر .
لم يشكّ رواحة فيما سمع و أدرك أنّ سيّارا قد وقع في شرّما صنع لمكانة أبي
القاسم عنده فهو ممّن تشهد له الشّهود و تيمّم وجهها شطره الوفود وهو مورد
ليس أعذب من وروده وجواد لا نضير له بجوده . لذلك لم يزد رواحة على أن خفض
وسمع ورفع وجمع و حسم و قطع وقال : أيّة وقعة وقعت و أيّة سقطة سقطت يا
سيّار يا ابن مسيار ! مخترانيّ شاطر و محتال ؟ ومع من ؟ مع حبيبنا و
صديقنا أبي القاسم خير الرّجال و أحسنهم خلقا وأكثرهم كرما و أجملهم عفوا
و حلما ؟! أبا القاسم لو خلطت بأغنام أخرى أغنامك هل تستطيع تمييز شياهك
؟قال: أولا تصدّقني فيما أقول ؟ أم لعلّك تطلب منّي الرجوع و العدول ؟
قال: بلى أصدّقك و هل يعقل أن أنكر ما تقول ؟ لكن لابدّ من إقامة البرهان
و الدّليل فلا يجد إلى الإنكار من سبيل .قال: نعم أستطيع تمييزها وإنّي
لأعرف تلك الماشية واحدة واحدة بأوصافها . ولو وضعتها في أكبر قطيع
ميّزتها و أخرجتها .قال: حسنا هلم بنا . ونظر إلى عاتكة وقال لها :
اخلفيني في المحلّ .إيّاك أن تغادري مهما حصل .وأشار إلى أحد غلمانه أن
ادن .فدنا .وأسرّ له شيئا ثمّ أمره بالانصراف فانثنى. وسار مع أبي القاسم
حتّى أتيا زريبة في ظاهر الكرخ حوت ما لا يقل عن ثلاثين رأسا فقال : هيّا
يا أبا القاسم أرني شياهك رأسا رأسا وسأزيدك من عندي إذا ميّزتها عليها
تيسا .
ضحك الشّيخ و تقدّم و استخرج شياهه واحدة واحدة إلا ثلاثا . فنظر إليه ابن
إياس وكان في حشد من النّاس وقال : و البقيّة؟ أين هي ؟ عدد رؤوس قطيعك
عشرة؟ .قال: كنت أخرجتها إن وجدت لعلّها بيعت أو ذبحت . قال : صدق فقد
ذبحت منها خروفا يوم اشتريت القطيع و أخرجته صدقه . و ذبحت آخر للعيال
أمّا الثّالث فقد ذبحته في زواج ذلك الشّاطر المحتال لا بارك الله فيه
وددت أنّي لم أعرفه ولم أصاهره . فأجابه أبو القاسم متندّرا وقد ألفى
صاحبه متكدّرا : لا تقل هذا الكلام يا رجل. حتّى لا أقول إنّك رجل عجل
.فلو لم تعرفه و لم تصاهره لما أدركنا ما ضاع من المال ولما ذبحت خروفا
للعيال . فضحكا حتّى كأن لا كدر و سارا يتندّران حتّى كأن لا شيء شجر.
وجاءا الشّاطر في بيته فلم يعثرا له على أثر تحت سقفه .وسألا عنه في
الجوار فقيل لهما إن امرأة قد شوهدت تخرج من الدّار .ومرّت بالزّقاق وكانت
تلتفت ذات اليمين وذات اليسار. فأجابه رواحة بإنكار: أيّة امراة وزوجته
وراءنا خلّفناها و حتّى العودة إلى بيتها منعناها .صفها لنا . قال : كانت
طويلة القامة ترتدي جلبابا وتضع برقعا على وجهها وكانت في عجلة من أمرها
كمن يخاف أن يدركه الطائف أو أن يقفوه المستقفي . فخرج أبو القاسم من صمته
وعدّل من سمته وقال: تلك بغيتنا، بغيته وكيف كانت وجهته ؟ قال : في هذا
الاتجاه و أشار إلى الطّريق المؤدّية إلى عرصة المربد .فلحقاه . و كان بعض
الشّرط يمشّطون المكان .فعثر بهم رواحة و صاحبه فعلموا منهما بما نزل من
الأمر وكان .فاستنفروا الحرس و الجند و أغلقوا المعابر و الطّرق المؤدّية
إلى الصّحراء. وضيّقوا الخناق .و رابطوا على تخوم البيداء . و فتّشوا
الأسواق .وماهي إلا ساعة حتّى ألقي القبض على سيّار وأخذ مقيّدا بالأغلال
. وسيق إلى القضاء بلا جدال .و اعترف بما نسب إليه و أسقط في يديه . وأودع
السّجن لقاء تحيّله فلقي جزاء تشطّره .وصودرت كلّ أملاكه و عقوده و لم
تقبل شهادة لشهوده وعاد المال إلى أهله وجنى أبو القاسم ثمار فضله .
أمّا عاتكة فقد عادت إلى بيت سيّدها و طلبت إليه أن يطلّقها ففعل . وجاءه
بعد فترة من يطلب إليه الزّواج منها فقبل. وسرّت عاتكة بزواجها . و أبدلها
الله زوجا خيرا من زوجها . وكان زوجها الجديد كريما، لا فاحشا ولا لئيما .
يحبّ الفقراء و يرحم البؤساء ويعفو على من أساء و يطلب لنفسه الشّفاء و
السّلامة من الكبر و العجب و الرّياء .وعاتكة ترى منه ذلك فتوقّره و تجلّه
و تقول في نفسها : شتّان ما بين الّذي مضى و هذا الّذي أتى . تالله إنّه
للبشرى تزفّها إلينا السّماء أما الآخر فبلاء وأيّ بلاء نسأل الله العافية
من كلّ داء . وكانت تحبّه وتسكن إليه .و كان أحبّ شيء إلى نفسها أن تأكل
من يده وتطعمه من يدها.
وجلسا يوما يأكلان معا وبين أيديهما دجاجة مشويّة وإذا سائل يطرق الباب
فقال الرّجل لزوجته : ادفعي إليه هذه الدّجاجة يأكلها هنيّا مريّا .فخرجت
بها إليه واستغرقت في الباب مليّا . ثمّ دفعت إلى السّائل الدّجاجة و رجعت
بطيّا . ثم انخرطت في البكاء فسألها زوجها : فيم البكاء ؟ ألأنّنا فرّطنا
اليوم في الغداء ؟ وهب أنّنا نمنا على الطّوى مرّة أو شقينا ببعض ما يشقى
به الجائعون والبؤساء أولا يكون ذلك أوّل الطريق ليشعر الأغنياء بالفقراء؟!
فأجابته زوجته بإعجاب و استحياء : ما إلى هذا قصدت يا سيّد الشّرفاء .
ولكن أتدري من السّائل الّذي وهبنا له الغداء ؟ قال: ومن يكون ؟.. بائس من
البؤساء . قالت : لو كان بائسا كما قلت لما بكيت و لما احترقت و ما اكتويت
ولكنّه ...زوجي الّذي فارقت من سنة خلت ..
وروت عاتكة لزوجها قصّتها مع السّائل الذي طرق بابها عند الغداء فخرج إليه
زوجها وانتهره في كبرياء فقال لها : وتلك الأيّام نداولها بين النّاس
ياعاتكة أتدرين من السّائل الّذي انتهره زوجك يومها ؟ قالت: تعني..لاتقل
لي .....قال: بل قولي ..أنا والله ذالك السّائل
منذر ساسي تونس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://fadelslimen.ahlamountada.com
 
السّائل و الدّ جاجة تأليف : منذر ساسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
محمّد الفاضل سليمان :: قصص الأطفال :: قصص من التراث-
انتقل الى: